... جاري التحميل
( ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم) أي ما غاب عن الخلق وما حضر (العزيز ) المنيع في ملكه ( الرحيم) بأهل طاعته ( الذي أحسن كل شيء خلقه) خلقه موفرا عليه ما يستعد له ويليق به على وفق الحكمة والمصلحة ( وبدأ خلق الإنسان من طين) يعني آدم ( ثم جعل نسله) ذريته (من سلالة من ماء مهين) من نطفة ثم من علقة ( مهين) ضعيف وهي النطفة ( ثم سواه) قومه بتصوير أعضائه على ما ينبغي ( ونفخ فيه من روحه) إضافة إلى نفسه تشريفا له وإشعارا بأنه خلق عجيب أي جعله حيا حساسا بعد أن كان جمادا ( وجعل لكم السمع والأبصار) لتسمعوا وتبصروا
في الدنيا وفي سورة سأل خمسين ألف سنة وهو يوم القيامة لشدة أهواله بالنسبة إلى الكافر وأما المؤمن فيكون أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا وقيل يدبر الأمر بإظهاره في اللوح فينزل به الملك ثم يعرج إليه في زمان هو كألف سنة لأن مسافة نزوله وخروجه مسيرة ألف سنة فإن ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة وقيل يقضي سبحانه قضاء ألف سنة فينزل به الملك ثم يعرج بعد الألف لألف أخرى وقيل يدبر الأمر إلى قيام الساعة ثم يعرج إليه الأمر كله يوم القيامة ، وقيل يدبر المأمورية من الطاعات منزلا من السماء إلى الأرض بالوحي ثم لا يعرج إليه خالصا كما يرتضيه إلا في مدة متطاولة لقلة المخلصين والأعمال الخلص
{ ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيم * الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِين * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلاَلَةٍ مِّن مَّاء مَّهِين * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ)
{ الم * تَنزِيلُ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِين * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُون * اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ شَفِيعٍ أَفَلاَ تَتَذَكَّرُون * يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّون * }
(الم) الله أعلم بمراده بذلك ( تنزيل الكتاب) أي القرآن (لا ريب فيه ) أي لا شك فيه ( من رب العالمين) أي أنه منزل من رب العالمين (أم يقولون افتراه بل هو الحق من ربك) أي منزل من ربك ( لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك) لأنهم كانوا أهل فترة ( لعلهم يهتدون) بإنذارك ( الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام) يخبر تعالى أنه خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وقد تقدم الكلام على ذلك في سورة الأعراف ( مالكم من دونه من ولي ولا شفيع) بل هو سبحانه المالك لأزمة الأمور الخالق لكل شيء المدبر لكل شيء القادر على كل شيء فلا ولي لخلقه سواه ولا شفيع إلا من بعد إذنه ( أفلا تتذكرون) بمواعظ الله تعالى ( يدبر الأمر من السماء إلى الأرض) يدبر أمر الدنيا بأسباب سماوية كالملائكة وغيرها نازلة آثارها إلى الأرض ( ثم يعرج إليه) ثم يصعد إليه أي يثبت في علمه موجودا أي يرجع الأمر والتدبير ( إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون)
(وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُون * وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُم بِلِقَاء رَبِّهِمْ كَافِرُون * قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُون * وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُون * وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِين * فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون * إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُون * تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُون * فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُون * }
( والأفئدة قليلا ما تشكرون) وجعل لكم الأفئدة أي القلوب لتعقلوا بها ( قليلا ما تشكرون) شكرا قليلا (وقالوا) أي الذين ينكرون البعث (أئذا ضللنا في الأرض) أي غيبنا فيها بأن صرنا ترابا مختلطا بترابها ( أئنا لفي خلق جديد) استفهام إنكار أي نبعث أو يجدد خلقنا ( بل هم بلقاء ربهم) بالبعث أو بتلقي ملك الموت وما بعده ( كافرون ) جاحدون ( قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم) أي يستوفي نفوسكم لا يترك منها شيئا ولا يبقى منكم أحد يقبض ملك الموت أرواحكم وأحصى آجالكم ( ثم إلى ربكم ترجعون) للحساب والجزاء ( ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم) من الحياء والخزي قائلين ( ربنا أبصرنا) ما وعدنا (وسمعنا) منك تصديق رسلك ( فارجعنا ) إلى الدنيا ( نعمل صالحا إنا موقنون) إذ لم يبق لنا شك بما شاهدنا فما ينفعهم ذلك ولا يرجعون إلى الدنيا وجواب لو رأيت أمرا فظيعا ( ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها) فتهتدي بالإيمان والطاعة باختيار منها ( ولكن حق القول مني ) وهو ( لأملأن جهنم من الجنة) الجن ( والناس أجمعين) وتقول لهم الخزنة إذا دخلوها ( فذوقوا ) العذاب ( بما نسيتم لقاء يومكم هذا) أي بترككم الإيمان به ( إنا نسيناكم) أي تركناكم في العذاب أو من الرحمة ترك المنسي ( وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون) من الكفر والتكذيب ( إنما يومن بآياتنا) القرآن ( الذين إذا ذكروا ) وعظوا ( بها خروا سجدا وسبحوا) خوفا من عذاب الله ونزهوه عما لا يليق به كالعجز عن البعث ( بحمد ربهم) حامدين له شكرا على ما وفقهم للإسلام وآتاهم الهدى ( تتجافى جنوبهم عن المضاجع) أي ترتفع وتتنحى من الفرش مواضع النوم ( يدعون ربهم ) داعين إياه ( خوفا) من سخطه ( وطمعا) في رحمته وهو قيام العبد من الليل وعنه صلى الله عليه وسلم إذا جمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد جاء مناد ينادي بصوت يسمعه الخلائق كلهم سيعلم أهل الجمع اليوم من أولى بالكرم ثم يرجع فينادي ليقم الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع فيقومون وهم قليل ثم يرجع فينادي ليقم الذين كانوا يحمدون الله في السراء والضراء فيقومون وهم قليل فيسرحون جميعا إلى الجنة ثم يحاسب سائر الناس وقيل كان أناس من الصحابة يصلون من المغرب إلى العشاء فنزلت فيهم ( ومما رزقناهم ينفقون) في وجوه الخير ( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين) أي مما تقر به عيونهم وروي عنه صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر بله ما اطلعتم عليه إقرءوا (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون) أي جوزوا جزاء.
{ أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لاَّ يَسْتَوُون * أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلاً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُون * وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُون * وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون * وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُون * وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيل * وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُون * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُون *)
(أفمن كان مومنا كمن كان فاسقا) خارجا عن الإيمان (لا يستوون) في الشرف والمثوبة (أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى) فإنها المأوى الحقيقي والدنيا مرتحلة لا محالة وقيل المأوى جنة من الجنان (نزلا) هو ما يعد للضيف (بما كانوا يعملون) بسبب أعمالهم أي على أعمالهم (وأما الذين فسقوا فمأويهم النار كلما أردوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها) عبارة عن خلودهم فيها (وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون) إهانة لهم وزيادة في غيظهم ( ولنذيقنهم من العذاب الأدنى) عذاب الدنيا يريد ما امتحنوا به من القتل والأسر والجدب سنين والأمراض (دون) قبل (العذاب الأكبر) عذاب الآخرة (لعلهم يرجعون) أي من بقي منهم لعله يرجع إلى الإيمان ( ومن أظلم) أي لا أحد أظلم ( ممن ذكر بآيات ربه) أي القرآن ( ثم أعرض عنها) فلم يتفكر فيها ( إنا من المجرمين منتقمون) أي سننتقم ممن فعل ذلك من الكفار أشد انتقام ( ولقد آتينا موسى الكتاب) التوراة (فلا تكن في مرية) شك ( من لقائه) من لقائك الكتاب ( وجعلناه هدى لبني إسرائيل) أي جعلنا التوراة هدى لبني إسرائيل ( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا) يهدون الناس بتوفيقنا أو أمرنا إياهم ( لما صبروا) على دينهم وعلى البلاء من عدوهم (وكانوا بآياتنا يوقنون) لإمعانهم فيها النظر ( إن ربك هو يفصل بينهم يوم القيامة) يقضي بينهم فيميز الحق من الباطل بتمييز المحق من المبطل ( فيما كانوا فيه يختلفون) من أمر الدين.
{ أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ أَفَلاَ يَسْمَعُون * أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاء إِلَى الأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلاَ يُبْصِرُون * وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِن كُنتُمْ صَادِقِين * قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لاَ يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُون * فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانتَظِرْ إِنَّهُم مُّنتَظِرُون * }