... جاري التحميل
{ ياأَيُّهَا الْمُدَّثِّر * قُمْ فَأَنذِر * وَرَبَّكَ فَكَبِّر * وَثِيَابَكَ فَطَهِّر * وَالرُّجْزَ فَاهْجُر * وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِر * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِر * فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُور * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِير * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِير * ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا * وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيد * كَلاَّ إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيدًا * سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا * إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّر * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّر * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّر * ثُمَّ نَظَر * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَر * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَر * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَر * إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَر * سَأُصْلِيهِ سَقَر * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَر * لاَ تُبْقِي وَلاَ تَذَر * لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَر * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَر * وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلاَّ مَلاَئِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلاَ يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ)
( يا أيها المدثر قم فأنذر) يا أيها الذي تدثر بثيابه أي تغشى بها ( قم فأنذر) أي خوف أهل مكة وحذرهم العذاب إن لم يسلموا ( وربك فكبر ) أي عظمه عن إشراك المشركين ( وثيابك فطهر) من النجاسات فإن التطهير واجب في الصلاة محبوب في غيرها أو طهر نفسك من الأخلاق الذميمة والأفعال الدنيئة أو فطهر دثار النبوءة عما يدنسه من الحقد والضجر وقلة الصبر ( والرجز فاهجر) يعني الأوثان وقيل فاهجر المأثم أي فاتركه وقيل الرجز العذاب أي وعمل الرجز فاهجر أو العمل المؤدي إلى العذاب ( ولا تمنن تستكثر) أي لا تعط شيئا لتطلب أكثر منه وقيل لا تمنن على ربك بما تحملته من أثقال النبوءة كالذي يستكثر ما يتحمله والنهي في التفسير الأول خاص به صلى الله عليه وسلم دون أمته ( ولربك فاصبر) على الأوامر والنواهي ( فإذا نقر في الناقور) نفخ في الصور وهو القرن النفخة الثانية ( فذلك يومئذ يوم عسير) اشتد الأمر فيه ( على الكافرين غير يسير) عسر الأمر على الكافرين في ذلك اليوم ( ذرني ومن خلقت وحيدا) نزلت في الوليد بن المغيرة أي ذرني وحدي معه فإني أكفيكه وقيل دعني ومن خلقته وحيدا أي خلقته وحده لا مال له ولا ولد ثم أعطيته بعد ذلك ما أعطيته ( وجعلت له مالا ممدودا) أي أعطيته مالا ممدودا وهو ما كان له من الإبل والخيل والنعم والجنان والعبيد والجواري وقيل غلة ألف ألف دينار ( وبنين شهودا) حضورا لا يغيبون عنه في تصرف وكانوا عشرة وقيل أثنى عشر ( ومهدت له تمهيدا) أي بسطت له في العيش بسطا ( ثم يطمع أن أزيد) أن أزيده في المال والولد (كلا إنه كان لآياتنا عنيدا) أي ليس يكون ذلك مع كفره بالنعم فلم يزل يرى النقصان في ماله وولده حتى هلك ( سأرهقه صعودا) أي سأكلفه عقبة شاقة المصعد روي أنه جبل من نار يصعد فيه سبعين خريفا ثم يهوي فيه كذلك أبدا ( إنه فكر وقدر) أي فكر فيما يخيل طعنا في القرآن وقدر في نفسه ما يقول فيه ( فقتل كيف قدر) لعن وعذب على أي حال كأن تقديره ( ثم قتل كيف قدر) أي لعن لعنا بعد لعن وقيل قتل بضرب من العقوبة ثم قتل بضرب آخر من العقوبة ( ثم نظر) بأي شيء يدفع الحق ويرده ( ثم عبس) أي قطب بين عينيه في وجوه المومنين وقيل قبض وجهه وكلحه ضيقا بما يقول ( وبسر) زاد في القبض والكلوح ( ثم أدبر) عن الإيمان ( واستكبر) تكبر عن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ( فقال إن هذا إلا سحر يؤثر) ينقل عن السحر والسحر الخديعة ( إن هذا إلا قول البشر) أي ما هذا إلا كلام المخلوقين تختدع به القلوب كما تختدع بالسحر ( سأصليه سقر) أي سأدخله النار وسقر صخرة في جهنم وقيل الطبق السادس منها ( وما أدراك ما سقر) أي ما أعلمك أي شيء هي ( لا تبقي ولا تذر) أي لا تترك لهم لحما ولا عظما ولا دما إلا أحرقته ( لواحة للبشر) أي مغيرة له مسودة لأعالي الجلد محقرة لظاهره ( عليها تسعة عشر) ملكا خزنتها أو صنفا من الملائكة وقيل تسعة عشر نقيبا وقيل تسعة عشر ألف ملك والله أعلم وقد ثبت في الصحيح عن ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوتى بجنهم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها قال ابن عباس لما نزلت هذه الآية ( عليها تسعة عشر) قال أبو جهل لقريش ثكلتكم أمهاتكم إن محمدا صلى الله عليه وسلم يخبر أن خزنة النار تسعة عشر وأنتم الشجعان أفيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا بواحد منهم فقال أبو الأشد أنا أكفيكم منهم سبعة عشر عشرة على ظهري وسبعة على بطني وأكفوني أنتم اثنين قال تعالى ( وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة) أي فلا يطاقون كما يتوهمون فالملائكة مخالفون جنس المعذبين فلا يرقون لهم ولا يستروحون إليهم وهم أقوى الخلق بأسا وأشدهم غضبا لله تعالى ( وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا) ضلالة للذين كفروا وقيل إلا عذابا أو جعلنا ذلك سبب كفرهم وعذابهم ( ليستيقن الذين أوتوا الكتاب) ليوقن الذين أعطوا التوراة والإنجيل أن عدة خزنة جهنم موافقة لما عندهم وقيل ليكتسبوا اليقين بنبوءة محمد صلى الله عليه وسلم وصدق القرآن لما رأوا ذلك موافقا لما في كتابهم ( ويزداد الذين آمنوا إيمانا ) بذلك لأنهم كلما صدقوا بما في كتاب الله آمنوا ثم ازدادوا إيمانا وقيل يزداد الذين آمنوا من أهل الكتاب إيمانا لموافقة ما أتي به النبي صلى الله عليه وسلم لما في كتبهم ( ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمومنون) من غيرهم في عدد خزنة جهنم أنهم تسعة عشر.
( وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَر * كَلاَّ وَالْقَمَر * وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَر * وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَر * إِنَّهَا لإِحْدَى الْكُبَر * نَذِيرًا لِّلْبَشَر * لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّر * كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَة * إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِين * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءلُون * عَنِ الْمُجْرِمِين * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَر * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّين * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِين * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِين * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّين * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِين * فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِين * فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِين * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَة * فَرَّتْ مِن قَسْوَرَة * بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَى صُحُفًا مُّنَشَّرَة * كَلاَّ بَل لاَ يَخَافُونَ الآخِرَة * فَمَن شَاء ذَكَرَه * وَمَا يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَة * }
( وليقول الذين في قلوبهم مرض) أي من في صدورهم شك ونفاق من منافقي أهل المدينة (والكافرون) بمكة (ما ذا أراد الله بهذا مثلا) يعني بعدد خزنة جهنم أي شيء أراد بهذا العدد المستغرب استغراب المثل وقيل لما استبعدوه حسبوا أنه مثل مضروب ( كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء) أي مثل ذلك من الإضلال والهدى يضل الله الكافرين ويهدي المومنين ( وما يعلم جنود ربك ) أي جموع خلقه على ما هم عليه ( إلا هو وما يوجب اختصاص كل منها بما يخصه من كم وكيف واعتبار ونسبة (إلا ذكرى للبشر) إلا تذكرة لهم (كلا) ردع لمن أنكرها أو إنكار لأن يتذكروا بها ( والقمر والليل إذا أدبر أي ولى وكذلك دبر (والصبح إذا أسفر) أضاء (إنها لإحدى الكبر) أي أن هذه النار لأحدى الكبر أي لإحدى الدواهي (نذيرا للبشر) يريد النار أو إن هذه النار الموصوفة "نذير للبشر" (لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر) أي نذير لمن شاء منكم أن يتقدم إلى الخير والطاعة أو يتأخر إلى الشر والمعصية (كل نفس بما كسبت رهينة) أي مرتهنة بكسبها مأخوذة بعملها إما أن يخلصها وإما أن يوبقها (إلا أصحاب اليمين في جنات يتساءلون عن المجرمين) استثناء لأصحاب اليمين فإنهم لا يرتهنون بذنوبهم واختلف فيهم فقيل الملائكة وقيل المومنون المخلصون وقيل الذين سبقت لهم من الله الحسنى وقيل أولاد المسلمين الذين ماتوا صغارا قبل الكسب فلم يكتسبوا (في جنات) بساتين (يتساءلون) أي يسألون (عن المجرمين) المشركين يقولون لهم بعد إخراج الموحدين من النار ( ما سلككم في سقر) أي ما أدخلكم في النار ، قيل يسئل الرجل من أهل الجنة الرجل في النار وقيل يسئل المومنون الملائكة عن أقاربهم ويسئل الملائكة أهل النار والله أعلم ( قالوا) يعني أهل النار (لم نك من المصلين ) من المومنين المصلين ( ولم نك نطعم المسكين) أي لم نك نتصدق ( وكنا نخوض مع الخائضين) أي كنا نخالط أهل الباطل في باطلهم وقيل قولهم لعنهم الله كاهن ، مجنون ، شاعر ، ساحر وقيل كنا نكذب مع ا لمكذبين ( وكنا نكذب بيوم الدين) أي لم نك نصدق بيوم القيامة ( حتى أتانا اليقين ) أي الموت ( فما تنفعهم شفاعة الشافعين) من الملائكة والأنبياء والصالحين والمعنى لا شفاعة لهم ( فما لهم عن التذكرة معرضين) أي أي شيء حصل لهم في إعراضهم عن الاتعاظ ( كأنهم حمر مستنفرة) أي كأن هؤلاء الكفار في فرارهم من محمد صلى الله عليه وسلم ( حمر مستنفرة أي منفرة مذعورة والحمر جمع حمار ( فرت من قسورة) أي نفرت وهربت من الصيادين وقيل فرت من الأسد ( بل يريد كل امرء منهم أن يؤتى صحفا منشرة) أن يعطى كتبا مفتوحة قيل إن أبا جهل وجماعة قريش قالوا يا محمد إيتنا بكتب من رب العالمين فيها إني قد أرسلت لكم محمدا صلى الله عليه وسلم نظيره ـ لن نومن لك حتى تنزل علينا كتابا نقرأه ـ ( كلا بل لا يخافون الآخرة) كلا ردع لهم كما أرادوه ( بل لا يخافون الآخرة) أي عذابها ( كلا إنه تذكرة) أي إن القرآن عظة ( فمن شاء ذكره) أي قرأه فاتعظ ( وما تذكرون إلا أن يشاء الله) أي وما تتعظون أي لا تقدرون على الاتعاظ إلا أن يشاء الله أي إلا بمشيئة الله سبحانه (هو أهل التقوى وأهل المغفرة) بأن يتقي وبأن يغفر.