... جاري التحميل
{ عَمَّ يَتَسَاءلُون * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيم * الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُون * كَلاَّ سَيَعْلَمُون * ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُون * أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَادًا * وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا * وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا * وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا * وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا * وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا * وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا * وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاء ثَجَّاجًا * لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا * وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا * إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا * يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا * وَفُتِحَتِ السَّمَاء فَكَانَتْ أَبْوَابًا * وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا * إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا * لِلْطَّاغِينَ مَآبًا * لاَبِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا * لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلاَ شَرَابًا * إِلاَّ حَمِيمًا وَغَسَّاقًا * جَزَاء وِفَاقًا * إِنَّهُمْ كَانُوا لاَ يَرْجُونَ حِسَابًا * وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا *)
( عم يتساءلون) المعنى عن أي شيء يسأل بعضهم بعضا ( عن النبإ العظيم) وهو ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من القرآن المشتمل على البعث وغيره ( الذي هم فيه مختلفون) فالمومنون يثبتونه والكافرون ينفونه وينكرونه (كلا) ردع ( سيعلمون) ما يحل بهم على إنكارهم له ( ثم كلا سيعلمون) يعني الكفار عاقبة تكذيبهم وقيل وعيد بعد وعيد ( ألم نجعل الأرض مهادا) دلهم على قدرته على البعث أي قدرتنا على إيجاد هذه الأمور أعظم من قدرتنا على الإعادة والمهاد الوطاء والفراش (والجبال أوتادا) أي لتسكن ولا تنكفأ ولا تميل بأهلها ( وخلقناكم أزواجا) ذكرا وأنثى ( وجعلنا نومكم سباتا) قطعا من الأساس والحركة راحة لأبدانكم ( وجعلنا الليل لباسا) غطاء يستتر بظلمته من أراد الاختفاء ( وجعلنا النهار معاشا) وقت معاش تتقلبون فيه لتحصيل ما تعيشون به أو حياة تنبعثون فيها من نومكم ( وبنينا فوقكم سبعا شدادا) سبع سماوات محكمات أي محكمة الخلق وثيقة البناء ( وجعلنا سراجا وهاجا) أي وقادا وهي الشمس وجعل هنا بمعنى خلق ( وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا) المعصرات السحائب التي حان لها أن تمطر كالمعصر الجارية التي دنت من الحيض ( ماء ثجاجا) صبا بكثرة ( لنخرج به حبا ونباتا) أي بذلك الماء حبا كالحنطة والشعير وغيرهما ( ونباتا ) من الأب وما يعتلف من التبن والحشيش ( وجنات ) بساتين ( ألفافا) ملتفة بعضها ببعض (إن يوم الفصل كان ميقاتا) الفصل بين الخلائق ميقاتا تنتهي الدنيا عنده ( يوم ينفخ في الصور) للبعث ( فتأتون أفواجا) من قبوركم إلى الموقف ( أفواجا) جماعات مختلفة سأل معاذ بن جبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى ( يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا) فقال له لقد سألت عن أمر عظيم ثم أرسل عينيه باكيا ثم قال يحشر عشرة أصناف من أمتي أشتاتا قد ميزهم الله تعالى من جماعات المسلمين وبدل صورهم فمنهم على صورة القردة وبعضهم على صورة الخنازير وبعضهم منكسون أرجلهم أعلاهم ووجوههم يسحبون عليها وبعضهم عمي يترددون وبعضهم صم بكم لا يعقلون وبعضهم يمضغون السنتهم فهي مدلاة على صدورهم يسيل القيح من أفواههم لعابا يتقذرهم أهل الجمع وبعضهم مقطعة أيديهم وبعضهم مصلبون على جذوع من النار وبعضهم أشد نتنا من الجيف وبعضهم ملبسون جلابيب سابغة من القطران لاصقة على جلودهم فأما الذين على صورة القردة فالقتات يعني النمام وأما الذين على صورة الخنازير فأهل السحت والحرام والمكس وأما المنكسون رؤوسهم ووجوههم فأكلة الربا والعمي من يجور في الحكم والصم البكم الذين يعجبون بأعمالهم والذين يمضغون ألسنتهم فالعلماء والقصاص الذين يخالف قولهم فعلهم والمقطعة أيديهم وأرجلهم فالذين يؤذون الجيران والمصلبون على جذوع النار فالسعاة بالناس إلى السلطان والذين هم أشد نتنا من الجيف فالذين يتمتعون بالشهوات واللذات ويمنعون حق الله من أموالهم والذين يلبسون الجلابيب فأهل الكبر والفخر والخيلاء ( وفتحت السماء فكانت أبوابا) أي شققت لنزول الملائكة ( فكانت أبوابا) أي صارت من كثرة الشقوق كأن الكل أبوابا ( وسيرت الجبال) من الهواء كالهباء ( فكانت سرابا) مثل سراب إذ ترى على صورة الجبال ولم تبق على حقيقتها لتفتت أجزائها وانبثاثها ( إن جهنم كانت مرصادا ) موضع رصد يرصد فيه خزنة النار الكفار أو خزنة الجنة المومنين يحرسوهم من فيح النار في اجتيازهم عليها ( للطاغين مئابا) أي مرجعا يرجعون إليه ( لابثين فيها أحقابا) أي ماكثين في النار مادامت الأحقاب وهي لا تنقطع فكلما مضى حقب جاء حقب والحقب بضم أوله وسكون ثانيه الدهر ( لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا) البرد النوم ولا شرابا وهو ما يشرب بلذاذة (إلا) لكن ( حميما) ماء حارا في غاية الحرارة ( وغساقا) ما يسيل من صديد أهل النار فإنهم يذوقونه جزاء لأعمالهم ( جزاء وفاقا ) موافقا لأعمالهم فلا ذنب أعظم من الكفر ولا عذاب أعظم من النار ( إنهم كانوا لا يرجون حسابا) أي لا يخافون محاسبة على أعمالهم وقيل لا يرجون ثواب حساب ( وكذبوا بآياتنا كذابا ) أي كذبوا تكذيبا كبيرا بما جاءت به الرسل.
(وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا * فَذُوقُوا فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَابًا * إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا * حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا * وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا * وَكَأْسًا دِهَاقًا * لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلاَ كِذَّابًا * جَزَاء مِّن رَّبِّكَ عَطَاء حِسَابًا * رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرحْمَنِ لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا * يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلاَئِكَةُ صَفًّا لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا * ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا * إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يالَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا * }
( وكل شيء ) من الأعمال ( أحصيناه) أي ضبطناه ( كتابا) كتبا في اللوح المحفوظ وقيل أراد به العلم فإن ما كتب كان أبعد من النسيان وقيل كتبناه في اللوح المحفوظ لتعرفه الملائكة ( فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا) فوق عذابكم ـ كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ـ كلما خبت زدناهم سعيرا ـ ( إن للمتقين مفازا) مكان فوز في الجنة ( حدائق وأعنابا) أي بساتين محوط عليها فيها أنواع الأشجار المثمرة ( وكواعب أترابا) جواري تكعبت ثديهن أي استدارت وارتفعت قليلا والأتراب الأقران في السن ( وكأسا دهاقا) مملوءة ( لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا ) لا يسمعون في الجنة باطلا وهو ما يلغى ويطرح من الكلام ولا كذابا أي كذبا أو مكاذبة ( جزاء من ربك) أي جازاهم الله بذلك ( عطاء حسابا) أعطاهم عطاء كثيرا كافيا من أحسبه الشيء الشيء إذا كفاه حتى قال حسبي ( رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن لا يملكون منه خطابا) أي لا يملكون أن يسئلوه إلا فيما أذن لهم فيه وقيل لا يملكون منه شفاعة إلا بإذنه ( يوم يقوم الروح والملائكة صفا ) واختلف في الروح قيل جبريل وقيل ملك هو أعظم الملائكة يكون يوم القيامة صفا وحده والملائكة كلهم صفا الثالث هو جند من جنود الله ليسوا ملائكة الرابع هم أشراف الملائكة الخامس أنهم حفظة على الملائكة السادس أنهم بنو آدم السابع أنهم أرواح بني آدم تقوم صفا والملائكة صفا الثامن أنه القرآن وقرأ قائله ( وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا) ( لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن) أي لا يتكلم من الخلق إلا من أذن له الله في الكلام ( وقال صوابا) أي قولا صوابا حقا قيل لا إله إلا الله وقيل يشفعون لمن قال لا إله إلا الله والصواب السداد من القول والفعل (ذلك اليوم الحق) أي الكائن الواقع ( فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا) أي مرجعا بالعمل الصالح (إنا أنذرناكم عذابا قريبا) يعني عذاب الآخرة وقربه لتحققه فكل ما هو آت قريب ( يوم ينظر المرء ما قدمت يداه) يرى ما قدمه من خير أو شر والمرء عام ( ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا) في الدنيا فلم أخلق ولم أكلف.